صغار سوريا.. طفولة ضائعة بين حرب وحسابات سياسية
صغار سوريا.. طفولة ضائعة بين حرب وحسابات سياسية
بثمن باهظ من دمائهم وأعمارهم، دفع أطفال سوريا التكلفة الأكبر لعشرية سوداء خلال حرب التي اجتاحت بلادهم منذ عام 2011.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" قتل وأصيب أكثر من 13 ألف طفل، إضافة إلى 6.5 مليون طفل باتوا في حاجة ماسة لمساعدات إنسانية تنتشلهم من الأوضاع الصعبة سواء داخل سوريا أو في دول الجوار التي هاجروا إليها.
وقالت المنظمة الأممية في بيان صدر عنها الأحد، إن 213 طفلًا تعرضوا للقتل والإصابة خلال الربع الأول من العام الجاري، مؤكدة أن تمويل العمليات الإنسانية في سوريا يتراجع بسرعة كبيرة، ما أدى إلى معاناة نحو 12 مليونا و300 ألف سوري داخل وخارج البلاد.
بدورها، قالت المديرة الإقليمية لـ"يونيسف" في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أديل خضر، إن احتياجات أطفال سوريا آخذة في الازدياد، وكثير من العائلات السورية تواجه صعوبة بالغة في تغطية نفقاتها المعيشية، خاصة مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب الأزمة المالية العالمية وحرب أوكرانيا.
وطالبت المجتمع الدولي بـ"تخصيص 20 مليون دولار لتمويل العمليات الإنسانية في شمال غربي سوريا"، مؤكدة أنها تواجه نقصًا حادًا في موازنة تلك العمليات، إذ لم تتلقَ هذا العام إلا أقل من نصف احتياجاتها التمويلية.
مساعدات مسيسة
وقال المحلل السياسي السوري، الدكتور علاء الأصفري لـ«جسور بوست»، إن الفقر في سوريا يزداد تفاقمًا يومًا بعد الآخر، متهمًا الولايات المتحدة مع حليفتها "قوات سوريا الديمقراطية" المعروفة باسم "قسد" بالاستيلاء على مخزون القمح في شرق الفرات.
وأضاف الأصفري: "هذا المخزون من المحصول الإستراتيجي كان يغذي سوريا بالكامل، وبالتالي فالاستيلاء عليه حرم قطاعات واسعة من الشعب السوري من إمدادات الغذاء".
وأوضح الأصفري، وهو مؤيد للنظام السوري، أن منطقة شرق الفرات تعتبر الخزان الغذائي والنفطي في البلد العربي، وبوضع "قوات سوريا الديمقراطية" يدها عليها بمعاونة ودعم الولايات المتحدة، أصبح الشعب السوري يعيش في حرمان من خيرات بلاده.
وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، هي الذراع العسكرية لمجلس سوريا الديمقراطية "كرد سوريا"، أحد فصائل المعارضة، وتمكنت من هزيمة تنظيم داعش في شمال شرق البلاد، وإعلان الإدارة الذاتية في المنطقة قبل أكثر من 4 سنوات.
وأكد الأصفري أن سوريا شهدت عمليات تهجير قسري وقتل واسعة النطاق منذ عام 2011، خاصة من قبل التنظيمات الإرهابية مثل "داعش" و"جبهة النصرة" تحت ستار التكفير الديني الذي خيم على البلاد.
وأشار إلى تعرض أبناء سوريا، خاصة أطفالها، إلى مجازر عديدة، جعلت الوضع الإنساني الآن في أسوأ حالاته، في بلد يعيش تحت خط الفقر 90 بالمئة من شعبه البالغ تعداده نحو 26 مليون نسمة.
وفسر الأصفري تراجع تمويل العمليات الإنسانية في سوريا مؤخرا، بـ"تحويل الدول الغربية مساعداتها إلى أوكرانيا"، قائلا: "أوروبا تهتم الآن بهذا الجزء منها على حساب بقية شعوب العالم التي تحتاج للمساعدة".
وأضاف أن ما يحدث الآن يعكس أن المساعدات الإنسانية مسيسة (تمنح لأغراض سياسية)، مدللاً على ذلك بطلب "يونسيف" تخصيص 20 مليون دولار لتمويل العمليات الإنسانية في شمال غربي سوريا، حيث النفوذ التركي، دون النظر للداخل السوري، الذي يعاني شح المساعدات الإنسانية والفقر وتفشي الأمراض.
وتابع: “تركيا قادرة بكل ما تملك من إمكانيات أن تساعد السوريين القاطنين في المناطق التي تحتلها في الشمال الغربي، ما يعني أن الداخل السوري أحوج للمساعدات الأممية من تلك المناطق، لأنها محرومة من الخزانة الغذائية في شرق الفرات”.
وتوقع المحلل السوري أن يثير بيان "يونسيف" أصداءً إيجابية في مؤتمر بروكسل لدعم سوريا، مؤكدًا أن تخصيص أي مبلغ لدعم السوريين أمر إيجابي، بشرط أن يكون حقيقياً وليس مزيفا أو لغرض دعائي، سيما أن معظم الدول المانحة لا تفي بتعهداتها التمويلية لسوريا.
تراجع المساعدات
على الجانب المقابل، قال الباحث السوري روجيه أصفر لـ«جسور بوست»، إن الوضع في سوريا صعب للغاية، واستمراره على هذه الوتيرة سيؤدي إلى كارثة إنسانية تستدعي اتخاذ خطوات عاجلة للحد من العنف الممارس من نظام بشار الأسد والفصائل والقوى الأخرى بحق الشعب السوري الأعزل.
وأضاف أصفر أنه من غير المنطقي توقع أن يبقى التمويل المخصص للعمليات الإنسانية في سوريا على ذات المبلغ منذ بداية الأزمة قبل أكثر من 10 سنوات، فالطبيعي أن تتراجع تلك المساعدات، لوجود تطورات عالمية أو بؤر أخرى للنزاعات والحروب.
وأوضح أن المساعدات تحكمها توجهات الدول المانحة، وهناك دول أجرت تغييرات في سياساتها بشكل ضمني أو علني تجاه النظام السوري، ما أدى إلى تراجع مساهمتها في الميزانية المخصصة بالأمم المتحدة لهذا الشأن.
وأشار روجيه أصفر إلى أن منظمة يونيسيف دعت لتخصيص 20 مليون دولار لإغاثة منطقة شمال غرب سوريا، بسبب أنها لا تخضع سيطرة نظام الأسد.
وأوضح أن تقديم المساعدات عبر بوابة العاصمة دمشق -كما يحاول النظام السوري فرض ذلك- يحولها إلى ورقة ضغط بيده على المدنيين في مناطق المعارضة بالشمال الغربي، وهذا يمس جوهر فكرة العمليات الإنسانية التي يجب أن تقدم لمستحقيها دون تسييس.
ومضى أصفر قائلا: "إن مزاعم سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على شرق الفرات أدت إلى حرمان الداخل السوري من خيرات المنطقة، غير دقيقة وعارية من الصحة، لأن هناك تبادلاً تجارياً بين الطرفين بما في ذلك النفط".
وأضاف، أن "كميات القمح التي تنتجها سوريا، سواء شرق أو غرب الفرات لا تكفي الشعب السوري، والمشكلة الحقيقية في نظام الأسد والجفاف وتدهور البنى التحتية في عموم البلاد".
ومنذ عام 2011، اندلعت احتجاجات شعبية سلمية تطالب بإنهاء عشرات السنين من حكم أسرة الأسد وتداول السلطة سلميا في سوريا، لكن النظام لجأ إلى الخيار العسكري لقمعها، ما زج بالبلاد في حرب أهلية دموية.